الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وأمر لهم بالهدايا، والدواب، والرواحل، فتوجهوا نحو كنعان.قوله تعالى: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ} يعني: خرجت العير من مصر: {قَالَ أَبُوهُمْ إنَّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} قال ابن عباس: لما خرجت العير، هاجت ريح، فجاءت بريح قميص يوسف من مسيرة ثمان ليال، فقال يعقوب: إني لأشم ريح يوسف: {لَوْلاَ أَنْ تُفَنِّدُون} يقول لولا أن تعيروني، وتجهلوني.يقال: فنده الهرم إذا خلط في كلامه: {قَالُوا تَالله إنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ} يعني: ولد ولده قالوا ليعقوب: إنك مختلط في الكلام كما كنت في القديم من ذكر يوسف.قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} يعني: جاء يهوذا بالبشارة: {أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ} يعني: دفع القميص إليه، ووضعه على وجهه،: {فَارْتَدَّ بَصِيرًا} يعني: رجع بصيرًا كما كان: {قَالَ} يعقوب لولد ولده: {أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إنَّي أَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} ويقال: قال لولده: ألم أقل لكم حين قلت لكم: {إنَّمَا أشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلَى الله وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} أن يوسف في الأحياء: {قَالُوا يا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} فاعتذروا إليه، فيما فعلوا به، وطلبوا منه أن يستغفر لهم، واعترفوا بذنبهم، وقالوا: {إنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ}.{قَالَ} لهم يعقوب عليه السلام: {سَوْفَ اسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} يعني: عند السحر استغفر لكم.ويقال: معناه سوف استغفر لكم إن شاء الله على وجه التقديم في قوله: {وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إنْ شَاءَ الله آمِنِينَ}، فأخّر الاستغفار، إلى أن قدموا مصر، فاستغفر لهم ليلة الجمعة عند السحر: {إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} لمن تاب، ورجع، وندم على ما فعل، فخرجوا كلهم بأثقالهم، وأهاليهم، ومواشيهم، وكانوا اثنين وسبعين رأسًا، وروى أبو عبيدة عن عبد الله بن مسعود أنه قال: كان أهل بيت يعقوب حين دخلوا مصر، ثلاثة وسبعين إنسانًا، رجالهم ونساؤهم، فخرجوا مع موسى عليه السلام وهم ستمائة ألف وسبعون ألفًا، فلما دنوا من مصر، خرج يوسف بجماعته وحاشيته حتى أدخلهم مصر.قوله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إلَيْهِ} أي: ضمّ إليه: {أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إنْ شَاءَ الله آمِنِينَ} قال أبو عبيدة: هذا من كلام يعقوب، حيث قال: سوف استغفر لكم إن شاء الله.وكذلك قال ابن جريج.ويقال: هذا من كلام يوسف.قال لهم حين دخلوا مصر: انزلوا بأرض مصر.ويقال: إنما قال لهم قبل أن يدخلوها: {ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين} من الجوع.ويقال: {آمنين} من الخوف، لأنها أرض الجبابرة.قوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَويْهِ عَلَى الْعَرْشِ} يعني: على السرير.أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله.قال مقاتل: يعني أباه وخالته.وكانت أمه راحيل قد ماتت، وخالته تحت يعقوب، وعن وهب بن منبه قال: أبوه وخالته.وعن سفيان الثوري مثله، وهو قول ابن عباس.وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الخالة أم». ويقال: إن أمه راحيل قد ماتت في ولادة بنيامين.ولذلك سمي بنيامين، واليامين وجع الولادة بلسانهم. ثم قال: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} على وجه التقديم، يعني: {وخرُّوا له سجدًا} ورفع أبويه على العرش، وكانت تحيتهم، أن يسجد الوضيع للشريف، فسجد له إخوته، وأبوه، وخالته،: {وَقَالَ} يعني يوسف عند ذلك: {يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ} يعني: هذا السجود تحقيق رؤياي من قبل: {قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} يعني: جعل رؤياي صدقًا. ويقال: كائنًا. وروي عن ابن عباس أنه قال: كان بين رؤياه، وبين ذلك، اثنان وعشرون سنة. وروى أبو عثمان النهدي، عن سلمان أنه قال: كان بين رؤياه، وبين أن رأى تأويلها، أربعون سنة.وعن عبد الله بن شداد أنه قال: وقعت رؤيا يوسف بعد أربعين سنة، وإليه تنتهي الرؤيا. وقال السدي: كان بينهما تسع وثلاثون سنة. وقال: حين رأى رؤياه، كان يوسف ابن تسع سنين، فظهر تأويلها وهو ابن أربعين سنة. ثم قال: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إذْ أخْرَجَني مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} يعني: جاء بكم معافين، سالمين من البادية. يعني: أرض كنعان و: {مِنْ بَعْدِ أنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ} يعني: من بعد أن أفسد وألقى الشيطان: {بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ} من الفرقة، والجماعة. ويقال: {لطيف} في فعاله، إن شاء فرق، وإن شاء جمع: {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ} بما صنعوا: {الْحَكِيمُ} إذ رد عَليّ أبي، وجمع بيني وبين إخوتي. قوله تعالى: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ} قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: إن الله تعالى مدح يوسف في هذه السورة، في ثمانية مواضع.أولها أن أخوته لما فعلوا به ما فعلوا، صرف العداوة من إخوته إلى الشيطان. فقال: {مِنْ بَعْدِ أنْ نَزَغَ الشيطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوِتِي} والثاني: حين راودته المرأة، قال: {إنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} فعرف حرمة سيده، ولم يهتك حرمته.الثالث: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ} فاختار السجن على الشهوة الحرام.والرابع قال: {وَمَا أُبَرِّئ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بالسُّوءِ} بعد ما ظهر أن الذنب كان من غيره.والخامس لما اعتذر إليه إخوته، قال لهم: {لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} والسادس أنه بعث القميص على يد إخوته كما أدخلوا على أبيهم الحزن في الابتداء، أراد أن يدخلوا عليه السرور.فقال: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا} والسابع: لما لقي أباه، لم يذكر عنده ما لقي من الشدة، وإنما ذكر المحاسن، حيث قال: {يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِّنَ البَدْوِ}.والثامن: لما تمّ أمره، تمنى الموت، وترك الدنيا، قال: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ} أي: أعطيتني من الملك.يعني: بعض الملك، وهو ملك مصر: {وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} يعني: بعض التأويل.ويقال: من هاهنا لإبانة الجنس، لا للتبعيض.ومعناه: {رب قد آتيتني من الملك وعلمتني تأويل الأحاديث} يعني: تعبير الرؤيا: {فَاطِر السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} يعني: خالق السموات والأرض: {أَنْتَ وَلِييِّ فِي الدُّنْيَا وَاْلآخِرَة تَوَفَّنِي مُسْلِمًا} يعني: أمتني مخلصًا بتوحيدك: {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} يعني: بآبائي المرسلين.ويقال: عاش يعقوب في أرض مصر، سبع عشرة سنة، وكان عمره مائة وسبعًا وأربعين سنة.وعاش يوسف بعده ثلاثًا وعشرين سنة، ومات يوسف وهو ابن مائة وعشرين سنة.ويقال: ابن مائة وعشر سنين.وأوصى يعقوب بأن يدفن عند آبائه، فحمل إلى الأرض المقدسة، فدفن مع أخيه يحصوص بن إسحاق.فلما مات يوسف، أرادوا أن يحملوه إلى الأرض المقدسة، فلم يتركهم أهل مصر، واختلفوا في دفنه، وأراد أهل كل محلة أن يدفن في مقابرهم، وكاد أن يقع بينهم قتال، حتى اصطلحوا واتفقوا على أن يدفن عند قسمة مياههم في أعلى مصر، لكي يصيب بركته أهل مصر، وكان هناك إلى زمن موسى عليه السلام، فرفعه موسى، وحمله إلى الأرض المقدسة، ووضعه عند آبائه، وقد كان يوسف أوصى إلى بني إسرائيل أن يحملوا عظامه من أرض مصر إذا خرجوا من مصر. اهـ.
والنجوى والنجيّ في هذا البيت بمعنى المناجاة، وجمع النجيّ أنجية، قال لبيد: وقال آخر: هناك أوصيني ولا توصي بيه.{قَالَ كَبِيرُهُمْ} يعني في العقل والعلم لا في السنّ وهو شمعون، وكان رئيسهم، قاله مجاهد، وقال قتادة والسدّي والضحاك وكعب: هو روبيل وكان أسنّهم وهو ابن خالة يوسف، وهو الذي نهى إخوته عن قتله، وهب والكلبي: يهودا، وكان أعقلهم، محمد بن اسحاق: لاوي.{أَلَمْ تعلموا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقًا مِّنَ الله} عهدًا من الله: {وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ} اختلفوا في محلّ ما فقال بعضهم: هو نصب إيقاع العلم عليه يعني: ألم تعلموا من قبل فعليكم بهذه تفريطكم في يوسف؟ وقيل: هو في محلّ الرفع على الابتداء، وتمام الكلام عند قوله: من الله يعني: ومن قبلي هذا تفريطكم في يوسف، فيكون ما مرفوعًا يخبر [....] الصفة وهو قوله: ومن قبل، وقيل: ما صلة، ويعني ومن هذا فرّطتم في يوسف أي قصّرتم وضيّعتم، وقيل: رفع على الغاية.{فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض} التي أنا بها وهي أرض مصر: {حتى يَأْذَنَ لي أبي} بالخروج منها: {أَوْ يَحْكُمَ الله لِي} بالخروج منها وترك أخي بنيامين بها أو معه، وإلاّ فإنّي غير خارج منها، وقال أبو صالح: أو يحكم الله لي بالسيف فأُحارب من حبس أخي بنيامين.{وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين} أفضل وأعدل من يفصل بين الناس.{ارجعوا إلى أَبِيكُمْ} يقوله الآخر في المحتبس بمصر لإخوته: {فَقُولُواْ ياأبانا إِنَّ ابنك} بنيامين: {سَرَقَ} الصواع، وقرأ ابن عباس والضحاك: {سُرِّق} بضمّ السين وكسر الراء وتشديده على وجه ما لم يُسمِّ فاعله، يعني أنّه نُسب إلى السرقة مثل: خوّنته وفجّرته [....] أي نسبته إلى هذه الخلال.
|